الأسباب الباعثة على ذكر الموت
1- زيارة القبور، قال النبي
:
{ زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة } [أحمد وأبو داود وصححه الألباني].
2- زيارة مغاسل الأموات ورؤية الموتى حين يغسلون.
3- مشاهدة المحتضرين وهن يعانون سكرات الموت وتلقينهم الشهادة.
4- تشييع الجنائز والصلاة عليها وحضور دفنها.
5- تلاوة القرآن، ولا سيما الآيات التي تذكر بالموت وسكراته كقوله تعالى:
وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ [ق:19].
6- الشيب والمرض، فإنهما من رسل ملك الموت إلى العباد.
7- الظواهر الكونية التي يحدثها الله تعالى تذكيراً لعباده بالموت
والقدوم عليه سبحانه كالزلازل والبراكين والفيضانات والانهيارات الأرضية
والعواصف المدمرة.
8- مطالعة أخبار الماضين من الأمم والجماعات التي أفناهم الموت وأبادهم البلى.
سكرات الموت وشدته
أخي المسلم:
إن للموت ألماً لا يعلمه إلا الذي يعالجه ويذوقه، فالميت ينقطع
صوته، وتضعف قوته عن الصياح لشدة الألم والكرب على القلب، فإن الموت قد هد
كل جزء من أجزاء البدن، وأضعف كل جوارحه، فلم يترك له قوة للاستغاثة أما
العقل فقد غشيته وسوسة، وأما اللسان فقد أبكمه، وأما الأطراف فقد أضعفها،
ويود لو قدر على الاستراحة بالأنين والصياح، ولكنه لا يقدر على ذلك، فإن
بقيت له قوة سمع له عند نزع الروح وجذبها خوار وغرغرة من حلقه وصدره، وقد
تغير لونه، وأزبد، ولكل عضو من أعضائه سكرة بعد سكرة، وكربة بعد كربة، حتى
تبلغ روحه إلى الحلقوم، فعند ذلك ينقطع نظره عن الدنيا وأهلها، وتحيط به
الحسرة والندامة إن كان من الخاسرين، أو الفرح والسرور إن كان من المتقين.
قالت عائشة رضي الله عنها: كان بين يدي النبي
ركوة أو علبة فيها ماء، فجعل يدخل يده في الماء، فيمسح بها وجهه ويقول:
{ لا إله إلا الله إن للموت سكرات } [البخاري وفي لفظ أنه
كان يقول عند موته: (اللهم أعني على سكرات الموت) أحمد والترمذي وحسنه الحاكم]. والسكرات هي الشدائد والكربات.
وتشديد الله تعالى على أنبيائه عند الموت رفعة في أحوالهم، وكمال
لدرجاتهم، ولا يفهم من هذا أن الله تعالى شدد عليهم أكثر مما شدد على
العصاة والمخلطين، فإن تشديده على هؤلاء عقوبة لهم ومؤاخذة على إجرامهم،
فلا نسبة بينه وبين هذا.
فيا أيها المغرور:
فما لك ليس يعمل فيك وعظ *** ولا زجر كأنك من جماد
ستندم إن رحلت بغير زاد *** وتشقى إذ يناديك المنادي
فلا تأمن لذي الدنيا صلاحا *** فإن صلاحها عين الفساد
ولا تفرح بمال تقتنيه *** فإنك فيه معكوس المراد
وتب مما جنيت وأنت حس *** وكن متنبها قبل الرقاد
أترضى أن تكون رفيق قوم *** لهم زاد وأنت بغير زاد؟!
يا كثير السيئات غداً ترى عملك، ويا هاتك الحرمات إلى متى تديم
زللك؟ أما تعلم أن الموت يسعى في تبديد شملك؟ أما تخاف أن تؤخذ على قبيح
فعلك؟ واعجبا لك من راحل تركت الزاد في غير رحلك!! أين فطنتك ويقظتك وتدبير
عقلك؟ أما بارزت بالقبيح فأين الحزن؟ أما علمت أن الحق يعلم السر والعلن؟
ستعرف خبرك يوم ترحل عن الوطن، وستنتبه من رقادك ويزول هذا الوسن.
قال يزيد بن تميم: ( من لم يردعه الموت والقرآن، ثم تناطحت عنده الجبال لم
يرتدع!! ).
رسل ملك الموت
ورد في بعض الأخبار أن نبيا من الأنبياء عليهم السلام قال لملك
الموت: أما لك رسول تقدمه بين يديك، ليكون الناس على حذر منك؟ قال: نعم، لي
والله رسل كثيرة: من الإعلال، والأمراض، والشيب، والهموم، وتغير السمع
والبصر.
وفي صحيح البخاري عن أبى هريرة رضي الله عنه، عن النبي
قال:
{ أعذر الله إلى امرئ بلغة ستين سنة }.
وأكبر الأعذار إلى بني آدم بعثة الرسل إليهم، ليتم حجته عليهم كما قال سبحانه:
وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء:15]، وقال سبحانه:
وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ [فاطر:37]، قيل: هو القرآن وقيل: الرسل وقال ابن عباس: هو الشيب.
كيف ماتوا؟
أخي الحبيب:
إعلم أن حسن الخاتمة لا تكون إلا لمن استقام ظاهرة وصلح باطنه، أما
سوء الخاتمة فإنها تكون لمن كان له فساد في العقل، أو إصرار على الكبائر،
وإقدام على العظائم، فربما غلب عليه ذلك حتى ينزل به الموت قبل التوبة، أو
يكون مستقيماً ثم يتغير عن حاله، ويخرج عن سننه، ويقبل على معصية ربه،
فيكون ذلك سبباً لسوء خاتمته، والعياذ بالله.
صور من سوء الخاتمة
قيل لرجل عند الموت: قل لا إله إلا الله، وكان سمساراً، فأخذ يقول: ثلاثة ونصف.. أربعة ونصف.. غلبت عليه السمسرة.
وقيل لآخر: قل لا إله إلا الله، فجعل يقول: الدارالفلانية أصلحوا فيها كذا وكذا، والبستان الفلاني أعملوا فيه كذا، حتى مات.
وقيل لأحدهم وهو في سياق الموت: قل لا إله إلا الله، فجعل يغني، لأنه كان مفتوناً بالغناء، والعياذ بالله.
وقيل لشارب خمر عند الموت: قل لا إله إلا الله، فجعل يقول: اشرب واسقني نسأل الله العافية.
صور من حسن الخاتمة
دخل صفوان بن سليم على محمد بن المنكدر وهو في الموت فقال له: يا
أبا عبدالله! كأني أراك قد شق عليك الموت، فما زال يهون عليه ويتجلى عن
وجه محمد، حتى لكأن وجهه المصابيح، ثم قال له: لو ترى ما أنا فيه لقرت
عينك، ثم مات.
وقال محمد بن ثابت البناني: ذهبت ألقن أبي وهو في الموت فقلت: يا
أبت! قل لا إله إلا الله. فقال: يا بني، خل عني، فإني في وردي السادس أو
السابع!!
ولما احتضر عبدالرحمن بن الأسود بكى. فقيل له: مم البكاء؟ فقال: أسفاً على الصلاة والصوم، ولم يزل يتلو القرآن حتى مات.
وسمع عامر بن عبدالله المؤذن وهو في مرض الموت فقال: خذوا بيدي إلى
المسجد، فدخل مع الإمام في صلاة المغرب، فركع ركعة ثم مات رحمة الله.
رحلة الموت
رب مذكور لقوم *** غاب عنهم فنسوه
وإذا أفنى سنيه *** المرء أفنته سنوه
وكأن بالمرء قد *** يبكي عليه أقربوه
وكأن القوم قد ماتوا *** فقالوا أدركوه
سائلوه كلموه *** حركوه لقنوه
فإذا استيأس منه الـ *** قوم قالوا أحرقوه
حرفوه وجهوه *** مددوه غمضوه
عجلوه لرحيل *** عجلوا لا تحبسوه
ارفعوه غسلوه *** كفنوه حنطوه
فإذا ما لف في الـ *** أكفان قالوا فاحملوه
أخرجوه فوق أعواد *** المنايا شيعوه
فإذا صلوا عليه *** قيل هاتوا واقبروه
فإذا ما استودعوه *** الأرض رهناً تركوه
خلفوه تحت رمس *** أوقروه أثقلوه
أبعدوه أسحقوه *** أوحدود أفردوه
ودعوه فارقوه *** أسلموه خلفوه
وانثنوا عنه وخلوه *** كأن لم يعرفوه
وكأن القوم فيما *** كان فيه لم يلوه